Sunday, December 19, 2010

يا رب نقرا و نعرف مسؤوليتنا عن انتشار الاستبداد فى كل مراكز بلدنا؟

وممن استوقفني من المعاصرين وأعجبني كلامه في ذلك عبدالرحمن الكواكبي الذي اقترن اسمه وشهرته بأشهر كتبه 'طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد'، والمثير في كلامه أنه كتبه كأنه شاهد عيان يتكلم عن وقائع وأحداث معاصرة. ولا تفوتني الإشارة إلى أن أن الكواكبي كان محامياً وكاتباً وصاحب علم شرعي ليزداد الإعجاب إعجاباً، وأتوقف في مقالي مع فقرات مهمة من كتابه 'طبائع الاستبداد'، ليتيقن القارئ أنه لكاتب ومؤلف كأنه يعيش بيننا ولم يمت منذ أكثر من مئة عام...
يقول الكواكبي عن الاستبداد - الاستبداد لو كان رجلاً وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وبنتي البطالة، وعشيرتي الجهالة، ووطني الخراب، أما ديني وشرفي وحياتي فالمال فالمال فالمال.
- الاستبداد يضطر الناس إلى استباحة الكذب والتحايل والخداع والنفاق والتذلل، وإلى مراغمة الحس وإماتة النفس ونبذ الجد وترك العمل.
أما عن علاقة المستبد بالناس فقال إذا سأل سائل: لماذا يبتلي الله عباده بالمستبدين؟ فأبلغ جواب مسكت هو: إن الله عادل مطلق لا يظلم أحداً، فلا يولي المستبد إلا على المستبدين، ولو نظر السائل نظرة الحكيم المدقق، لوجد كل فرد من أسراء الاستبداد مستبداً في نفسه، لو قدر لجعل زوجته وعائلته وعشيرته وقومه والبشر كلهم، حتى ربه الذي خلقه تابعين لرأيه وأمره.
فالمستبدون لا يتولاهم إلا مستبد، والأحرار يتولاهم الأحرار، وهذا صريح معنى 'كما تكونوا يول عليكم'. ما أليق بالأسير في أرض أن يتحول عنها إلى حيث يملك حريته، فإن حياة الكلب الطليق خير من حياة الأسد المربوط.
- العوام هم قوّة المستبد وقُوته، بهم وعليهم يصول ويطول، يأسرهم فيتهللون لشوكته، ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم، ويهينهم فيثنون على رفعته، ويغري بعضهم على بعض، فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً، وإذا قتل منهم ولم يمثل، يعتبرونه رحيماً، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعونه حذر التوبيخ، وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بغاة.
- الناس وضعوا الحكومات لأجل خدمتهم، والاستبداد قلَب الموضوع، فجعل الرعية خادمة للرعاة، فقبلوا وقنعوا..
أما بالنسبة لأولئك الذي يقال عنهم انهم مثقفون وهم للاستبداد مطّبلون فقال عنهم الكواكبي: المستبد يجرب أحياناً في المناصب والمراتب بعض العقلاء الأذكياء، أيضاً اغتراراً منه بأنه يقوى على تليين طينتهم وتشكيلهم بالشكل الذي يريد، فيكونون له أعواناً خبثاء ينفعونه بدهائهم، ثم هو بعد التجربة إذا خاب ويئس من إفسادهم، يتبادر إبعادهم أو ينكل بهم، ولهذا لا يستقر عند المستبد إلا الجاهل العاجز الذي يعبده من دون الله، أو الخبيث الخائن الذي يرضيه ويغضب الله.

No comments: