Monday, February 26, 2007

مقال من واحد فاهم فى الفلوس و قيمتها ؟


بين الحين والآخر تثار تساؤلات واستفسارات حول الزكاة ودورها في العصر الحديث‏,‏ وكيفية تطبيقها وإدارتها‏,‏ وهي تساؤلات مشروعة‏,‏ وإجاباتها كما أتصورها هي كمايلي‏:‏لم يكتف الاسلام بالدعوة الي ضمان حد الكفاية أو تمام الكفاية لكل فرد أي المستوي اللائق للمعيشة‏,‏ وليس مجرد حد الكفاف أي المستوي الأدني للمعيشة‏,‏ وإنما أنشأ لذلك ومنذ أكثر من أربعة عشر قرنا وفي مناخ كانت تسوده الجاهلية والضياع‏,‏ مؤسسة مستقلة هي مؤسسة الزكاة التي هي بالتعبير الحديث مؤسسة الضمان الاجتماعي في الاسلام‏,‏ إذ لها كيان مستقل عن خزانة الدولة وذلك بمواردها ومستحقيها بل والعاملين عليها‏,‏ وكانت تتمثل بفرع مستقل في بيت مال المسلمين له ذمة مالية مستقلة‏.‏ وتعتبر حرب الخليفة الاول ابو بكر رضي الله عنه‏,‏ لما نعي الزكاة هي اول حرب في التاريخ تخوضها دولة من أجل الضمان الاجتماعي وحق الفقراء والمحتاجين في أموال الأغنياء القادرين‏.‏وسعر أو مقدار الزكاة‏,‏ وان كان محددا بالنص لا يزيد ولا ينقص‏,‏ إلا انه من المجمع عليه بانه إذا لم تكف حصيلة الزكاة في تغطية التزاماتها كمؤسسة أقامها الإسلام منذ اكثر من أربعة عشر قرنا لمواجهة مشكلة الفقر وضمان حد الكفاية لكل مواطن في اي مجتمع اسلامي أيا كانت ديانته او جنسيته باعتبار عالمية الاسلام‏,‏ فإنه يتعين علي ولي الامر اي الحاكم المسلم ان يأخذ من أموال الأغنياء بقدر ما يكفي فقراءهم‏.‏ وذلك استنادا الي قوله تعالي في سورة المعارج الآية‏24‏ في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم‏,‏ وقول الرسول عليه الصلاة والسلام تؤخذ من أغنيائهم وترد علي فقرائهم‏.‏مسئولية الدولةالزكاة ليست مجرد إحسان متروك لاختيار المسلم‏,‏ وإنما هي فريضة إلزامية يستوفيها ولي الأمر من المكلفين بها ويصرفها علي المستحقين لها‏.‏ وليس أدل علي ذلك من قوله تعالي مخاطبا الرسول عليه الصلاة والسلام بصفته الدولة خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‏,‏ وقوله عليه الصلاة والسلام في عقوبة المقصر في أداء الزكاة إنا آخذوها وشطر ماله‏.‏ ولقد أكدت السنة العملية والواقع التاريخي في عهد الرسول عليه السلام والخلفاء الراشدين‏,‏ ان تحصيل الزكاة وتوزيعها هو من شئون الدولة‏,‏ حتي ان الخليفة ابو بكر لم يتردد لحظة في محاربة من امتنعوا عن إعطائه حق الزكاة‏.‏أضف الي ما تقدم‏,‏ ان آية مصارف الزكاة في قوله تعالي إنما الصدقات للفقراء‏,‏ والمساكين‏,‏ والعاملين عليها‏,‏ والمؤلفة قلوبهم‏,‏ وفي الرقاب‏,‏ والغارمين‏,‏ وفي سبيل الله‏,‏ وابن السبيل‏,‏ فريضة من الله‏.‏ تدل علي ان مهمة تحصيل وتوزيع الزكاة هي من مهام الدولة‏.‏الضرائب لا تغني عن الزكاةإن الزكاة لا تغني علي الضرائب كما لا تغني الضرائب عن الزكاة ذلك لان لكل منهما سنده الشرعي‏,‏ ولكل منهما مجاله وأهدافه‏,‏ ولكل منهما خصوصياته وأحكامه‏,‏ أما ان لكل منهما سنده الشرعي‏,‏ فالزكاة سندها النص‏,‏ في حين ان الضرائب سندها المصلحة‏,‏ وأما ان لكل منهما مجاله وأهدافه‏,‏ فالزكاة تستهدف تحرير الانسان من عبودية الحاجة والفقر‏,‏ اي بالتعبير الحديث مواجهة التزامات الضمان الاجتماعي‏.‏ في حين ان الضرائب تستهدف مواجهة التزامات الدولة الأخري كالصرف علي جهازها الإداري أو تنميتها الاقتصادية‏,‏ وأما ان لكل منهما خصوصياته وأحكامه‏,‏ فالزكاة تجب في الأموال النامية سواء وجدت الحاجة الي الزكاة او لم توجد‏,‏ وبمقدار وسعر محدد‏.‏ بخلاف الضرائب فإنه لا يجوز للدولة الاسلامية فرضها إلا إذا قامت الحاجة إليها‏,‏ ويختلف مقدارها وسعرها باختلاف ظروف كل دولة‏.‏والواقع ان الاسلام إذ أقر الملكية الخاصة وحماها إلي حد قطع يد السارق‏,‏ فقد أوجب عليها ثلاثة التزامات رئيسية هي‏:‏ التزام الزكاة‏,‏ والتزام الضرائب‏,‏ والتزام الإنفاق في سبيل الله‏,‏ وهذه الالتزامات الثلاثة كل منها مستقل عن الآخر ولا يغني أحدهما عن الآخر‏,‏ وذلك لما روي عن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام قوله ان في المال حقا سوي الزكاة ثم تلا قوله تعالي ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب‏,‏ ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين‏,‏ وآتي المال علي حبه ذوي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب‏,‏ وأقام الصلاة‏,‏ وآتي الزكاة‏.‏يضاف إلي ما تقدم أن حصيلة الزكاة مخصصة لفئات معينة لا تتجاوزها‏,‏ وان كانت تجمعها صفة واحدة هي صفة الحاجة‏,‏ بحيث لايجوز الانفاق من حصيلة الزكاة علي الجهاز الاداري للدولة او تنميتها الاقتصادية ولكن ينفق عليها من حصيلة الضرائب‏.‏خضوع كل الأموال النامية للزكاة‏:‏اختلفت اليوم صنوف المال عما كانت عليه منذ أربعة عشر قرنا‏,‏ فظهرت صنوف جديدة من المال لم تكن معروفة في عهد الرسول ـ عليه الصلاة والسلام‏,‏ بل زادت أهميتها وأصبحت هي الغالبة‏,‏ ومن قبيل ذلك‏1‏ ـ الآلات الصناعية كالمصانع والسفن والطائرات والسيارات‏2‏ ـ العقارات المستغلة كالعمارات والفنادق والمطاعم‏3‏ ـ الأوراق المالية كالعملة الورقية والأسهم والسندات وشهادات الاستثمار‏4‏ ـ كسب العمل كالرواتب والأجور وارباح المهن الحرة ــ الثروة المعدنية كالمناجم والبترول‏..‏الخ‏.‏وإنه لما كانت العلة في فريضة الزكاة في الأموال هي نماؤها بالفعل أو بالقوة‏,‏ كما يقول الفقهاء‏,‏ فإن كل مال استجد ويقع فيه النماء حقيقة أو تقديرا‏,‏ أي بالتمكن من النماء‏,‏ فإنه تجب عليه الزكاة‏,‏ أيا كان ثروة عقارية كالعمارات أو صناعية كالمصانع أو مالية كالأسهم وشهادات الاستثمار‏,‏ وذلك لعموم النص بقوله تعالي خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وقوله تعالي في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم‏,‏ فلم يفرق بين مال ومال‏,‏ وقوله عليه الصلاة والسلام أدوا زكاة اموالكم‏,‏ وقوله إتجروا في مال اليتيم حتي لا تأكله الزكاة‏,‏ وقوله مانقص مال من صدقة‏,‏ وذلك لتعلقها بالأموال ذات النماء تحقيقا اي بالفعل او تقديرا بالتمكن من النماء‏.‏وإذا كان الفقهاء القدامي لم يفرضوا الزكاة علي بعض الأموال كدور السكن وأدوات الصناعة الأولية‏,‏ شأن الإبل والبقر العوامل وحلي الزينة باعتبارها من الحاجات الشخصية المعدة للاستعمال‏,‏ فإنها تظل كذلك معفاة باعتبارها أموالا غير نامية لا بذاتها ولا بالقوة‏,‏ أما إذا تحولت دور السكن إلي الاستغلال لا الاستعمال الشخصي‏,‏ ولم تعد اليوم أدوات الصناعة يملكها صانع يعمل بيده‏,‏ اي ليستعين بها لسد احتياجاته وإنما هي للاستغلال‏,‏ فإنه تحلقها حينئذ فريضة الزكاة‏.‏‏*‏ سعر الزكاة له أحكام خاصة بالنسبة للانعام من الابل والبقر والغنم‏,‏ أما سائر الأموال الأخري فقد حددها الفقهاء لمن أراد الرجوع اليها‏.‏ والخلاصة أن الزكاة هي عبادة لها الصفة المالية‏,‏ أو كما عبر البعض بأنها عبادة تأخذ صورة الضريبة‏,‏ أو هي ضريبة تحمل معني العبادة‏.‏ وهي مسئولية الدولة تحصيلا وتوزيعا‏,‏ من خلال فرع مستقل لها في بيت المال‏,‏ يمثل مؤسسة مستقلة قائمة بذاتها‏,‏ حيث تستقل بمواردها ومجلس ادارتها والعاملين عليها‏,‏ مستهدفة تحرير المواطن من عبودية الحاجة‏,‏ وبالتالي تمكينه من عبادة الله وحده والاخلاص لله وحده لتكون كلمة الحق هي العليا‏,‏ وهي تنفرد بأنها محلية‏,‏ بمعني تحصيلها من اهل كل بلد ممن توافر لهم نصابها‏,‏ ثم توزيعها علي المستحقين لها بمكان تحصيلها‏,‏ واذا لم تكف حصيلة الزكاة لسد حاجة المحتاجين من المستحقين لها‏,‏ فقد اوجب الاسلام علي الدولة إعانة ودعم مؤسسة الزكاة من اموال بيت المال الاخري او التوظيف علي اموال الاغنياء بقدر ما يكفي فقراءهم‏.‏وإذا تعذر اليوم إصدار تشريع خاص بأحكام الزكاة تحصيلا وتوزيعا‏,‏ فإنه يمكن إنشاء صندوق لها مستقل‏,‏ يكون تمويله كمرحلة اولي اختباريا‏,‏ ويعين لادارته مجلس أمناء من بعض علماء الدين والاقتصاد من ذوي الكفاية والامانة‏,‏ وان تتسم ادارة الصندوق بالشفافية المطلقة بحيث يعلن في نهاية كل عام عن اجمالي ما تلقاه من زكوات وكيفية انفاقه لها‏,‏ وياحبذا لو كان إنفاق اموال الزكاة في صورة مشروعات خدمية للفقراء والمحتاجين‏:‏ كافتتاح مطاعم تقدم لهم وجبات غذائية مجانية‏,‏ أو اقامة مستشفيات تعالج مرضاهم مجانا‏,‏ أو تقدم قروضا حسنة للمحتاجين القادرين علي العمل لمباشرة نشاط انتاجي يتعيشون منه‏...‏ الخ‏.‏ولتذكر دائما ان المواطنين يخرجون فعلا‏,‏ وبانتظام وتلقائية سمحه‏,‏ زكوات اموالهم بخلاف الضرائب المفروضة‏,‏ وتمثل هذه الزكوات اموالا ضخمة من المليارات دون ان نحس بأثرها‏,‏ وذلك بسبب بعثرتها وعشوائية وفوضي صرفها بمعرفة الأفراد‏,‏ ولا يتطلب الأمر سوي تنظيم جمعها وحسن استخدامها والتخطيط المدروس لحسن استخدامها‏.‏

No comments: